الشخصيّات:
حمزة: ٣١ سنة، مهاجر، مهندس الكترونيّ، موظّف في شركة في مدينة ”غربيّة“ كبيرة.
تيما: ٢٩ سنة، تعيش في بيروت، خطيبة حمزة، عاطلة عن العمل، تهوى الموسيقى والغناء.
الشابّة: ٣٠ سنة.
النادل: ٢٥ سنة.
مشهد ١
تيما وحمزة في فضائين مختلفين تماماً، غرفتا نوم، كلٌّ يجلس على كرسي مقابل الجمهور، كلٌّ منهما يقرأ شذرات من رسالة أتت من الآخر، بصوت مسموع، ولا يسمعان بعضهما البعض.
تيما | ”الوحدة انو نام والضوّ مضوّى بالغلط، وفيق بالليل، واتركو مضوّى.“ |
حمزة | ”انا مش جرعة نوستالجيا، فيك تتعاطاها لتعالج حالك من الوحدة بشكل موقّت.“ |
تيما | ”انو قضّي الليل عم اقرا تعليقات ناس ما بعرفن عن موضوع ما بهمّني.“ |
حمزة | ”انا مش هون لحسّسك انو بتنتمي لشي، بالرغم من وحدتك.“ |
تيما | ”انّو اتعشّي وحدي انا عم بحضر شي سخيف عـ نتفليكس.“ |
حمزة | ”انا مش منقوشة جبنة بآخر الليل بعد سكرة عاطلة.“ |
تيما | ”انّو اشرب قنينة لإقدر نام.“ |
حمزة | ”انا مش سهرة راس السنة ببيوت أصحاب أصحابي يلّي ولا مرّة زايرتن قبل.“ |
تيما | ”انّو فتّش على بيوت عالAirbnb مع انّي مش رايح لمحلّ.“ |
حمزة | ”ولا كعكة كنافة الساعة ٦ الصبح بأوّل يوم بالسنة، ولا كزدورة الفجر عالكورنيش نص نايمين.“ |
تيما | ”انّو اتعوّد احكي مع حالي عصوت عالي.“ |
حمزة | ”انا مش مشاوي وبطّيخ عالنهر ولا نبيذ نصّ طيّب عالتلج.“ |
تيما | ”انّو شمّ ريحة الطبخ جايي من عند الجيران واتخيّل شو رح قلّن بسّ يعزموني.“ |
حمزة | ”انا مش هون لخلّيك تحسّ انّو عندك مطرح تتطلّع عليه لورا، وانّو هيدا الورا عندو قيمة بتتشاركا مع كميّة ناس متلك.“ |
تيما | ”الوحدة انّو انطر يدقّ الباب يوم الأحد، وانا عارف ما حدا جايي.“ |
حمزة | ”انا مش فكرة. انا عندي كيان. بدّي عيش هلّق، هون. ما بدّي اتخيّل بكرا ولا اقعد بمبارح.“ |
مشهد ٢
قبل شهر. محطّة باص في مدينة كبيرة باردة. تيما ترتدي قبّعة صوفيّة عليها كلمة Cold ومعطف كبير ووشاح صوفيّ سميك. تبكي بغزارة، مظهرها غير مرتّب وحالتها مزرية، كأنّها تبكي في مكان خاص ومغلق. تلاحظها شابّة غريبة وتقترب منها باهتمام.
الشابّة | Are you ok? Did something happen to you? (بقلق) |
تيما | Yes. |
الشابّة | What happened? Do you need help? |
تيما | Yes… No… I’m ok… (وهي مستمرّة بالبكاء بصوتٍ عالٍ) My boyfriend |
الشابّة | Did he hurt you? |
تيما | No I hurt him… I love him… I hurt him… |
الشابّة | Shall I bring you something? Do you know where you’re going? |
تيما | Home. I’m going home… |
مشهد ٣
قبل ٢٠ يوم. في مقهى حميمي دافئ، في نفس المدينة الكبيرة الباردة، تيما وحمزة يجلسان على كنبة خلفهما مخدّة وقد طبع عليها كلمة Cozy.
حمزة | ما عم افهم عليكي. |
تيما | يعني اشتقتلّي ولا اشتقت لشو بذكّرك؟ |
حمزة | شو قصدك؟ |
تيما | يعني مجموعة الأشيا والذكريات والأحاسيس يلّي بتربطك بالبلد. |
حمزة | اكيد انتي بالنسبة لإلي كلّ هول كمان. في ايّام بحسّ انّي مستعد بيع كلوي كرمال شي قعدة عالبحر مع ألمازة متلّجة ولوز اخضر وبطاطا مقليّة وكاتشاب. |
(تسكب فنجان القهوة فوق الزريعة) | |
حمزة | ولك شو بِكي؟ |
تيما | القهوة منيحة للنّمو. |
حمزة | ايّا نموّ؟ هيك قتلتيلي الزريعة بالبيت؟ |
تيما | مش مزبوط. |
حمزة | من لمّا جيتي وانتي حاطّا راسك براسا. |
تيما | ما كان في غيرا عم يواسيني بالـ ٢٠ متر مربّع بس تروح انتا عالشغل. |
حمزة | ٤٠ متر مربّع. |
تيما | المهمّ، ما انا قتلتا. انا حبّيتا وحكيتا وغنيّتلا… بس هيّي ماتت. |
حمزة | (بتهكّم) من كتر الحبّ، ماتت! |
تيما | من كتر البرد. |
حمزة | من كتر الحكي. |
تيما | من كتر البرد. |
حمزة | من كتر القهوة. |
تيما | البرد! |
(يرنّ هاتف تيما. لا تجب. تغلقه) | |
حمزة | ما رح تردّي؟ |
تيما | هلّق بترجع بتدّق بعد شوي، قبل ما تنام. وساعتا بيكون عندا حكي اقلّ. |
حمزة | والله لتصمّدلك ياهن كلّن وتبرشك حكي واسئلة عنّي. |
(يضحكان) | |
حمزة | انا امّي ما عم تحكيني من وقت ما اجت لهون عـ Xmas. |
تيما | ليش؟ |
حمزة | تخانقنا عغراض المطبخ… |
تيما | (تضحك) شو؟ |
حمزة | ايه والله متل ما عم قلّك، وين بينحط المنخل، ووين بينحط الشوبك… |
تيما | (بقليل من التهكّم وقليل من الإعجاب) عندك شوبك؟ |
حمزة | اكيد، ما انا ملك الخَبز، نسيتي؟ |
تيما | الله يخلّي كورونا شو نمّت مواهب، بس بعد ما شفنا شي! |
حمزة | بعد ما صرلك خمس أيّام هون. |
تيما | (بصوت منخفض) حاسّتن سنة. |
حمزة | بدّك اتطوّلي بالك. شوي شوي رح تتعوّدي عالمدينة. ومن دون ما تحسّي، رح توعي نهار وتلاقي خلص صرتي هون. كأنّو في شقفة من حالك بتتأخر لتوصل، بسّ لمّا توصل، خلص بترتاحي. |
تيما | شو قصدك، ما كتير فهمت؟ |
حمزة | كأنّو روحك هيك بتوصل عـ مراحل. اوّل شي بيوصل منّا يلّي بتعوزيه لتتعرفي عالأشيا حواليكي وعالكلمات، بعدين يلّي بتعوزيه لتحفظي الطرقات وتتذكّري الأماكن، وبعدين يلّي بيخلّيكي تتقرّبي من الناس وتتعاطفي معن. بس بيضلّ في شي ناقص، لحد ما توصل آخر شقفة من روحك، وتصيري تقدري تتعرّفي على حالك بالمكان الجديد. وهيدا ممكن ياخد أسابيع او سنين. |
تيما | طب وانتا قدّيه ضليّت هيك، بلا كامل روحك؟ |
حمزة | عم تتمسخري؟ |
تيما | لا بالعكس، عم جرّب افهم. |
حمزة | شي سنتين تقريبًا. |
تيما | شو هلّق وصلت يعني! (ممازحةً) هيئتا اجت روحك معي! |
حمزة | تقريبًا! قبلك بشوي. كإنّا اجت تستقبلك، وتتأكّد انّو ما يتغيّير عليك شي فيّي. |
تيما | او بالعكس، انّو لتكون صرت كلّك هون، يعني ما بقّي منّك شي هونيك… متل قبل. |
حمزة | انتي ما بتعرفي عن شو عم تحكي! |
تيما | لاء، بس بعرف انّك تغيّرت عليّي. |
حمزة | انتي كمان، بس بعدني بحبّك. |
تيما | مين جاب سيرة الحبّ؟ |
حمزة | انتي. |
(صمت قصير) | |
تيما | طب ما رح تصالح امّك؟ |
حمزة | بعتّلا: ”شكرًا عالمونة“. |
تيما | (بتهكّم) يا مهذّب. |
(يضحكان) | |
تيما | لاحظت إنّا قالبة وجّا لما رحت آخد الغراض. بس قلت انو عادي، هيّى هيك، ما بتطيقني، وأصلاً كنت مستعجلة ومسافرة تاني يوم، ما اخدت وعطيت. |
حمزة | (متأمّلًا) اشتقتلاّ والله. |
تيما | يلاّ رجاع لعند ماما لشوف! (تضحك) ما في غيرا رح يرجّعك عالبلد، بتشارط؟ |
حمزة | (منزعجاً) خلص بشرفك! |
(صمت) (تخلع تيما الصدريّة من تحت ملابسها وتضعها على الكنبة) | |
حمزة | شو عم تعملي؟ |
تيما | ضاق خلقي. |
حمزة | ضبيّا، منّك ببيتينا. |
تيما | بيتنا؟ |
حمزة | شو بدّك سمّيه؟ بيتي؟ |
تيما | ايه يمكن انسب وأقرب للواقع. |
حمزة | (يعطيها شنطتها) خدي، ضبييَا. |
تيما | ما عـ أساس هون الناس منفتحين وما حدا بيتطّلع بحدا. |
حمزة | ما تزيديَا تيما. |
تيما | ما عم زيدا، انا بجي هيك… عـ زيادة. |
حمزة | (وقد نفذ صبره) طيّب عم فكّر فلّ (يقف). |
تيما | لوين؟ بتضلّك عم بتفلّ. |
حمزة | عالبيت. |
تيما | (بغضب) ايه فلّ عالبيت! (الى نفسها تقريبًا) انّو ليش ما فيّي كون حالي شي مرّة؟ |
حمزة | ايه فعلاً، ليش ما فيكي؟ |
تيما | أنا عم اسأل. |
حمزة | كوني حالك! مين مانعك؟ |
تيما | كتير هيّن تقول هيك انتا، مش مضطر تبرّر حالك لحدا. |
حمزة | مين قلّك؟ كلّ فعل بعملو بدّي برّرو هون. |
تيما | ما بطيق هون. |
حمزة | وما بتطيقي هونيك كمان! |
تيما | بعرف… بس مش نفس الشّي. حتّى انتا مش نفسك هون! |
حمزة | شو قصدك؟ |
تيما | ما بحبّ كيف صرت تعدّ وتحسب مصريّاتك. |
حمزة | مصريّاتنا… |
تيما | ليك انا ما بطلّع مصاري وما الي لزمة هون، خليّنا نسمّي الأشيا بأسماءا! |
حمزة | متل ما بدّك، هول كلماتك! يعني لأنّو ما بدّي اترك الأشيا عالهلّة، وعم جرّب صمّد، صرت شخص تاني؟ |
تيما | عم بحكي عن المصاري باليوميّات، مش الدفعات الكبيرة. حتّى علاقتك بالأكل تغيّرت. |
حمزة | ما عم بفهم عن شو عم تحكي… بطّلنا ولاد تيما! وانا عم جرّب كون مسؤول وعم جرّب اعملّنا بيت هون. هيدا كلّ شي عم فكّر فيه من لمّا جيت. انّو كيف خلّي هالمكان يكون فيه شي يشبهنا. |
تيما | (بحنان) بسّ، حبيبي، ما في شي بيشبهنا هون. |
حمزة | وهونيك شو بيشبهنا دخلك؟ ما انتي اسمك مش متصالحة معو… ويوم ايه يوم ايه بتعملي مشكل إذا حدا عيّطلك فاطمة، او اذا شبّهوكي بستّك، او اذا لاحظتي الجارة عم تراقبك، او اذا حدا قطَّع عنك بالصّف عالصندوق. وبتقضيا عم تسبّي الذكوريّة والتبعيّة السياسيّة والمذهبيّة، ورجال الدين، والمحجّبات، والميليشيات، والوزاوز، والعنصريّة، والبنك، والبوتوكس، وانعدام الأمل، والحمرنة، وكلّ الناس يلّي ما بيعرفو يسوقو. |
تيما | بس هيدي حمرنة بعرفا، بقدر سيطر عليا. هون ما عندي سلطة عشي. |
حمزة | عن ايّ سلطة عم تحكي؟ انتي عشو مسيطرة؟ ما كلّ عمرك تقولي انّو حتّى جسمك مش الك! |
تيما | وهون مش حاسّة بجسمي. بيضلّو ملفلف وما بيشوف الشمس. متل شي ايقونة. |
حمزة | ولي الك خمس ايّام هون بسّ! |
تيما | (بسخرية) يعني عندك معلومات انّو رح يتحسّن الطقس بكرا؟ |
حمزة | عن جدّ صرنا عم نحكي عن الطّقس؟ |
تيما | عن شو بدّك نحكي؟ عن ولادنا يلّي ما خلقو ومن هلّق عم يتحكّمو فينا ووين بدنا نعيش؟ |
حمزة | (مقاطعًا) عن ايّ ولاد عم تحكي؟ شقفة زريعة مش عارفين نعيّشا. |
تيما | (مكملةً، بتهكّم) أو عن الوحدة والنوستالجيا والحنين للوطن الأمّ؟ |
حمزة | ما بتعرفي شي عن الوحدة! |
تيما | ما بتعرف شي عن الخسارة والقلق والتروما الجماعيّة! |
حمزة | ما عشت الإنفجار، ما بعرف شو حسّيتي… بعتذر انّي ما كنت حدّك! شو فيّي اعمل هلّق؟ |
تيما | انتا صاير قاسي وسلبي. |
حمزة | انا طول عمري قاسي وسلبي، انتي صايرة غبيّة. |
تيما | شكرًا |
حمزة | أهلًا… |
(صمت) (يأتي النادل ويأخذ الأكواب الفارغة وهوي يرتدي T-shirt مطبوع عليها كلمة Home) | |
النادل | Anything else? |
تيما | No thank you! |
حمزة | Whisky on the rocks please (في نفس الوقت) |
(يجلس حمزة) (تلاحظ تيما الكلمة وتبدأ بدندنة أغنية Home is where the heart is لألفيس بريسلي، وهي تنظر إلى حمزة بقليل من الهزل والكثير من الحبّ، حمزة يبتسم مستمتعًا.) | |
تيما | “Home is where the heart is And my heart is anywhere you are Anywhere you are is home” |
(نسمع الأغنية صادرة من مكبّرات الصوت في المقهى. حمزة يومئ للنادل من بعيد متشكّرًا.) |
مشهد ٤
قبل ثلاثة ايّام. مطبخ صغير، له نافذة. الجوّ في الخارج شتويّ ماطر. تيما جالسة أمام طاولة أكل صغيرة نسبيّاً، عليها شرشف مطبوع عليه عبارة Keep Calm بشكل متكرّر، وفوقه نبتة Aloe Vera كبيرة. تيما تضع نظّارات شمسيّة كبيرة، تشرب القهوة وتدخّن وتبحث عن أغاني على هاتفها. نسمع ما تبقى من Home is where the heart is من المشهد السابق، وبدايات اغانٍ أخرى. ثمّ تضع تيما أغنية ”انا عندي“ rendez vous وتبدأ بغناءها وهي ترقص وتؤدّيها بشكل مبالغ ولكن صادق.
تيما | ”ذات يومٍ في فصل الشّتاء تحت ظلِّ ضجيج المطر غمرتني دموع الحياة وأزالت غبارَ الحجر زقزق بلبلٌ وقتها عندما دثّرته الشّجر فطربت لشدوِ الطّيور واهتززت إهتزازَ الوتر انا عندي رنديفو٠٠٠ ليلةٌ من ليالي الخريف وإزرِراق السّماء إسْتترْ موجةٌ مزّقتها الرّياح موجةٌ صرخت في الحجر فبكى الطّائر الحزين في زفيف رياح البحر طائرٌ غادر عشَّهُ طائرٌ لا يبالي الخطر وانا عندي رنديفو٠٠٠ أنا عندي رنديفو مع الرّبيع والنّسيمِ والنّجومِ والقمر وإبتسامة الصّباح في الضّباب المستنير والسّهول والجبال والحفر٠٠٠“ |
(عندما تنتهي، تطفِئ السيجارة، ثمّ ترفع فنجان القهوة وكأنّها تريد ان تسكب ما تبقّى من القهوة فوق تراب النبتة، تتردد، ثمّ تمتنع عن فعل ذلك. تربّت النبتة وكأنها تداعب حيوان اليف.) | |
تيما | حبيبي! |