الجزء الأول | باب الهوى
لما كنت بتركيا عم بشتغل بمنظمة إنسانية تعرفت على شب سوري بالشغل وفتنا بعلاقة. كنت حبه. بصراحة، العلاقة ما كانت كتير جدية. ببدايتها على الأقل. بالخطأ حملت منه. قررنا نزّل الجنين. ما قدرنا نعمل هالشي لأنه عمر الجنين كان تجاوز الحد القانوني المسموح فيه للإجهاض بتركيا. رفيقي اقترح عليّ ننزل على سوريا، على إدلب. هنيك بيعرف طبيب صديقه مستعد يساعدنا. وفعلاً هيك صار. بسوريا أجهضت ودفنت ابني أو بنتي هنيك ورجعت على تركيا. بس رجعنا فرطت العلاقة. انفصلنا، تركت شغلي وإجيت على فرنسا قدمت طلب لجوء.
هي كانت الحكاية اللي خبرتني ياها صديقة عايشة اليوم بفرنسا. قررت أكتبها بمسرحية. كنت بمرحلة لساتني مآمن فيها إنه الكتابة للمسرح هو فعل متصل بحياتي ولازم يبقى. هالحكي سنة 2019. والقصة تبع الصبية صارت بـ 2016.
كنت معجب بفكرة الرحلة العكسية لسوريا. الدخول من معبر باب الهوى. على الحدود، الشب والصبية ادعوا إنن متزوجين. الصبية حطت حجاب وحفظوا معلومات بعض وعملوا بروفة قبل السفر. إدلب تحت حكم النصرة. الرحلة محفوفة بالمخاطر ولازم تمشي وفق الخطة. لازم الإجهاض يصير ويرجعوا تاني يوم على تركيا. وهاد اللي صار فعلاً.
آخر صورة حملتها الصبية عن سوريا هي مدينة ما كانت بتعرفها من قبل. مدينة تحت حكم الإسلاميين دفنت فيها طفلها بسرعة قبل ما “تهرب” وترجع على تركيا. هي آخر صورة ببال الصبية عن بلدها قبل ما تصير لاجئة بفرنسا وتبلش تفقد تدريجياً، متل معظمنا، أمل العودة أو تحقيق العدالة.
لما وصلت بالكتابة على المشاهد اللي عم تصير بإدلب. وقفت عند مجموعة من الاحتمالات. هل بحافظ على الحدث متل ما صار؟ فعل الإجهاض والعودة؟ مجرد التفكير بهاد الاحتمال كان عم يغمرني بحزن هائل ما بعود عم بقدر معه أتقدم بالتفكير.
الصبية رح تحتفظ بالجنين. بقرر إنه عملية الإجهاض ما رح تتم. الصبية رح تغير رأيها وهنن بإدلب. بآخر لحظة. رفيقها رح يفقد عقله. الطبيب الصديق رح يشجعها على قرارها خاصة إنه من البداية مو مقتنع ولكن رضخ لرغبة صديقه.
ريّحني شوي هاد الخيار. حسيت فيه انتصار أكتر للحياة ومقاربة مبنية على الشجاعة مقابل الخوف. برز السؤال اللي بعده فوراً. شو رح يصير؟ الصبية رح ترجع على تركيا. رح تولد بتركيا ورح تسافر فوراً على أوروبا. رح تخاطر مشان توصل لأوروبا وتضمن نظرياً على الأقل حياة أفضل إلها وللطفل. هاد طبعاً رح يسبقه انفصالها عن رفيقها متل ما أصلاً بصير بالحكاية الأصل.
بفرنسا، البلد اللي أنا عايش فيها كمان، رح تواجه الصبية تعقيد إثبات أمومة الطفل، وهي ظاهرة موجودة فعلاً بين أوساط المهاجرين اللي عم يوصلوا مع أطفال بدون أي أوراق رسمية تثبت العلاقة مع الطفل. هي وحدة من معاناة اللاجئين وإشكاليات القضاء الفرنسي ومحاولته للحد من ظاهرة الاتجار بالبشر. فجأة حسيت إنه الحكاية صارت متصلة مع قضية راهنة عم تجمع بين فرنسا واللاجئين، والمسرحية كلها هيك عم تفتح على أفق أوسع.
كنت قررت أمشي فعلاً بهاد التوجه بالكتابة، ولكن بقي احتمال واحد جوا الحكاية كنت لسا ما عطيتيه حقه. احتمال خطرلي خلال تواجد الصبية بمدينة إدلب وقرار الاحتفاظ بالجنين. الاحتمال بقول إنه الصبية رح تقرر تحتفظ بالجنين ولكن رح تقرر كمان ترجع عالشام. المدينة اللي طلعت منها من 5 سنين تقريباً. المدينة اللي أنا كمان طلعت منها من 10 سنين. هاد الاقتراح كان عم يشدني. كان عم يمنعني من إني كمل خط الكتابة باتجاه فرنسا. فكرة العودة للمدينة الأصل. المدينة اللي لساتها تحت حكم البعث. المدينة اللي عايشة فيها الأم. هيك تخيلت. تخيلت هيك ببساطة لأنه أمي عايشة هنيك. احتمال إنه الصبية ترجع عالشام وتشوف أمها وتولد هنيك وتربي الطفل مع أمها كان ساحر بالنسبة إلي. وهيك رح تمشي الرحلة بخط معاكس تماماً للخطة الأولى.
ما قدرت أتجاهل جمال هاد الاحتمال وأديه عم يلامسني.
بس هاد الاحتمال عملي مشكلة، أو فيني قول خلاني حط إيدي على مشكلة كنت ببساطة مو منتبه لوجودها. بهي اللحظة فقط أدركت عجزي التام عن كتابة أي مشهد ممكن إنه يدور بالشام. أنا براة البلد من نهاية 2011. بسمع وبقرأ أخبار وبحكي مع عالم لسا عايشة هنيك، بس كل هاد غير مفيد أو غير كافي لحتى أقدر أكتب مشهد من مسرحية بصير هنيك. كل معرفتي بالمكان وأحواله ما بتعني شي إزا بدي أكتب مسرحية. بهي اللحظة انتبهت للصدع اللي مبلش من زمان. الصدع اللي رح يكمّل طريقه بتسارع ورح يهدّ كل المنظومة اللي كنت أكتب من خلالها السنين الماضية. الحقيقة الصغيرة اللي اكتشفتها أخدت معها كل قدرتي على استكمال المشروع ضمن خط فرنسا والاحتفاظ بالجنين. اهتزاز علاقتي مع مدينتي الأصل هز بدوره كل علاقتي مع مفهوم الحكاية والشخصية بالمسرح. فجأة انتقلت من كتابة مسرحية جديدة شبه مكتملة براسي لمواجهة خطر فقدان المعنى من كل فعل الكتابة. توقف المشروع وما عاد رجعتله لليوم. تحول لمسرحية غير مكتملة. سميت المشروع باب الهوى وسكّرته تماماً.
الجزء الثاني | عن الماضي الذي يتغير باستمرار
بعتبر حالي بنتمي لمجموعة شباب اعتبروا شغلن هو رد على أزمة النص المسرحي السوري، بس ما شغلت حالي كتير بسؤال من وين جاية هي الأزمة وليش أصلاً عم ينحكى عنها. بوقتها اعتبرت الجواب بديهي. السلطة مسؤولة عن الوضع المزري للمسرح، وغياب النص المسرحي هو أحد تجليات هاد الوضع. وبالتالي الاستجابة كانت بتطوير مستمر لأدوات ومهارات الكتابة، واستخدامها لكتابة وإعداد نصوص جديدة بنَفَس واقعي ومحاولة وضع هي النصوص على الخشبة بعيداً عن مديرية المسارح وأقرب لمصادر تمويل مستقلة من مراكز ثقافية أجنبية أو من مؤسسات مانحة إقليمية كانت عم تأسس لموديل تمويل جديد للفنون بالمنطقة العربية.
كان عندي فكرة عريضة عن الماضي. فكرة سليمة كتير بس تشوفها من برة بتقول إنه الجيل أو الأجيال السابقة اللي عملت مسرح اشتغلت بظروف غير مؤاتية واتعرضت للتضييق والمنع، وبالتالي انعكس كل هاد على جودة الشغل وعلاقته مع الحياة والمجتمع.
بالفترة اللي اشتغلت فيها مسرح بالشام (2006 – 2011) استفدت من تراجع حدة الرقابة، دخول أشكال ومصادر تمويل جديدة للفنون، انفتاح جزئي وشكلي بس كان لازم نستفيد منه. هيك كان رأيي وقتها. استفدت من كل هاد واعتبرته شي طبيعي. شي لازم يصير. شي بستحقه. مكافأة على اجتهادي! حظ جيد حالفني على عكس الجيل السابق. وكانت نتيجة منطقية لكل هاد إني أعمل قطيعة ضمنية مع الماضي وأبدا عرّف عن حالي إني فنان مستقل.
شو بيترتب على إنك تبني تجربتك بدون ما تكون واعي للامتدادات أو الانقطاعات الحاصلة مع تجربة الجيل السابق؟ بوقتها ما طرحت هاد السؤال على حالي. وجودي بنفس المدينة كان عم يخلق انطباع وهمي (عندي على الأقل) عن حالة الامتداد مع تجارب الجيل السابق. كنت عم شوف الماضي إنه بديهي وكان بدي بس ركّز عالحاضر. ما كان عندي وقت كتير أشغل حالي فيه بتجربة الجيل السابق. ما تخيلت عنجد كيف ممكن تجربتي تكون امتداد لتجاربن. ما اضطريت حط حالي محله وما سألت حالي كيف فيك تعمل مسرح تحت ظرف سياسي وشخصي عنيف؟ شو الخيارات اللي رح تضطر تاخدها؟ ما شغلت حالي بهاد السؤال. ما حسيت بأهميته غير بعدين. غير هلأ. غير لما فقدت المدينة والجمهور واللغة.
الجزء الثالث | محاولة للبدء من جديد
أو
أفكار تساعدك على النجاة من جحيم العزل المنزلي في 40 متر مربع.
نص مسرحي وثائقي ودرامي يحاكي واقعة تقديم سجينات سياسيات لمسرحية حورية البحر لهنريك إبسن في سجن دوما للنساء بسوريا قبل 30 عاماً في تحدّ صارخ لسلطة السجن. ينطلق النص من الأسئلة الدراماتورجية لتلك الواقعة/ المسرحية ويرصد تحولاتها من خلال تتبع مسار حيوات بعض المشاركات في ذلك العمل وتحولات أسئلة الحرية الفردية بهن في سوريا بعد الإفراج عنهن ومعاناتهن من الوصمة الاجتماعية للسجين السياسي، مروراً بمرحلة الحراك الثوري والحرب، ووصولاً إلى اللحظة الراهنة وهنّ يعشن اليوم لجوءاً مضاعفاً في أوروبا ويقاومن فقدان أملهن في العودة.
هاد تقديم من 100 كلمة بلخّص فكرة المشروع اللي اتقدمت فيه لمنحة استثنائية لدعم الفنانين من المنطقة العربية كانت أعلنت عنه مؤسسة المورد الثقافي عام 2020 تزامناً مع جائحة كورونا.
القصة حقيقية. فعلاً في مجموعة سجينات شيوعيات عملوا إعداد لمسرحية حورية البحر لإبسن وقدموها جوا السجن سنة 1991 على الرغم من محاولة منعهن من قبل إدارة السجن. عرفت بالقصة عن طريق وحدة من اللي قدموا المسرحية. اسمها هند وعايشة اليوم بفرنسا. ومن وقتها خطر على بالي أعمل مشروع مسرحي بيتناول هي الواقعة.
بعد ما حصلت على منحة المورد، بديت فوراً شغل وتفكير بالخيارات الفنية الممكنة للكتابة. هل بشتغل على إعادة تجسيد الواقعة من خلال محاكاة فنية؟ يعني بخلق فضاء بحاكي من خلاله فضاء السجن، وبكتب شخصيات بتجسد الأشخاص اللي شهدوا الواقعة وكانوا جزء منها عن طريق كتابة مشاهد عن حياتن بالسجن، كيف بلشت الفكرة وكيف اشتغلوا عليها وشو الصعوبات اللي اعترضت طريقن وشو الفرص اللي ساعدتن وصولاً لتقديم المسرحية. يعني إعادة إحياء للي صار مع توليد كامل للشحنة الانفعالية للحدث وأسئلة المعنى اللي بتحمله. أو بروح لخيار الشهادات الحية على الخشبة خاصة إنه هند قهوجي ووجدان ناصيف موجودات بفرنسا وممكن كتير يوافقوا يوقفوا عالخشبة ويخبروا القصة.
بس مهما كان الاحتمال الفني اللي عم فكر فيه، كان في سؤال ما عرفت جاوب عليه: ليش بدي أعمل هي المسرحية ونحن هون؟ بأوروبا؟ لاجئين ما فينا نرجع عالبلد اللي صارت فيه المسرحية. البلد اللي فيه السجن اللي صارت فيه المسرحية. مو كان أحسن لو قدرنا نقدم هيك شغل بالبلد نفسها؟ بلد تراجعت فيه الدكتاتورية أو سقطت كلياً، وعم يجي جيل جديد بيعملوا مسرح ويقرروا يعملوا مسرحية عن مسرحية تقدمت بأحد سجون هالبلد. مسرحية بتحاكي فترة مظلمة من تاريخ البلد. فترة معباية سجون ومعتقلين رأي ومجازر. فترة منوقف كلنا اليوم ومنرفض إنها تتكرر، ومنعمل مسرحيات بتعيد إنتاج الأوقات المظلمة لحتى نذكّر فيها ونمنع تكرارها.
منعمل المسرحية ومنتعب عليها كتير، وبيجي الجمهور وبيحضر وبينقسم بين أكتر من رأي وأكتر من موقف. ناس رح تشوف إنه الحكي عن الماضي وإعادة تقديمه عبر الفنون رح يفيّق الماضي ورح يحرّض يمكن على ردود فعل انتقامية من وعلى جلادين الماضي اللي بعضهم يمكن لسا ما تحاكم. وقسم تاني من الجمهور رح يشوف إنه التذكير المستمر بالماضي عبر الفنون هو تذكير ضروري بالعدالة اللي يمكن ما تحققت بشكل كامل، ولما العدالة بتكون ناقصة ما رح نعرف نرسم شكل المستقبل. مستقبل ولادنا والأجيال اللي رح تجي.
منعرض بالشام، ويمكن منعمل جولة بمدن وبلدان تانية. ويمكن وقتها بتجينا دعوة لنجي نقدم العرض هون. بأوروبا. ونحن منوافق ومنكون مبسوطين بالدعوة، بس بكون لازم نفكر بالترجمة كيف بدها تنعمل ووين بدها تنحط عالخشبة. ومنكون زعلانين لأنه شاشة الترجمة رح تاخد جزء من تركيز الجمهور على العرض نفسه. على الشكل الفني اللي تعبنا عليه كتير. الشكل الفني اللي نادراً ما حدا يسألني عنه من لما صرت “فنان في المهجر”!
وبس نخلص عرض هون منرجع. منفوت عالبلد اللي إجينا منه. منرجع لمحل ما منعيش ومنعمل مسرح. بنفس المدينة. المدينة اللي فريقنا وفرق مسرحية تانية بتعيش وبتشتغل وبتشوف شغل بعضها. منتردد على نفس الأمكنة ودائماً في ناس مشتركين ومنلتقى ومنحكي غالباً صدفة وبدون كتير تخطيط. منحكي ومنتفق ومنختلف. منشتغل مع بعض أو منغيّر الأشخاص وبتبقى الحياة ماشية.
ما فيني أتجاهل كل هاد وأعمل مسرحية كأني عايش بالشام. ببساطة، ما عم أقدر لاقي معنى من هي المسرحية إنها تنعمل هون. مرة جديدة عم واجه احتمال انهيار معنى الشغل كله.
دمشق 2009
مخرجة وممثلة شابة وواعدة بتقرر تعمل مشروع مسرحي داخل سجن للنساء. بتخيلها حضرت فيلم 11 لبناني غاضب لزينة دكّاش بمهرجان دوكس بوكس للأفلام الوثائقية سنة 2008 ووقعت بغرامه وقررت تعمل شي على منواله.
استفادت المخرجة من الجو العام الجديد اللي كانت عم تعرفه البلد بهديك الفترة لحتى تحقق مشروعها. بصعوبة، قدرت تجيب موافقة من وزارة الداخلية، ويمكن، أو أكيد، القصر كان بيعرف بالمشروع وموافق عليه.
بتفوت عالسجن وبتعمل أول جلسة مع السجينات اللي حابين يشاركوا بالمشروع.
بلقاء مع إحدى المتقدمات، المخرجة اللي تخيلت اسمها زينب رح تسأل المتقدمة اللي تخيلت اسمها نوار: “ليش بدك تشاركي بالمسرحية؟”. زينب طبعاً رح تسأل نفس السؤال لكل المتقدمات. نوار رح تجاوبها إنها بتحب المسرح، وهون زينب بدون تفكير رح تقول بسرعة: “بس نحن ما رح نعمل مسرحية متل اللي بيطلعوا عالتلفزيون”.
“ما كان قصدي المسرحيات اللي بتطلع عالتلفزيون” بتقول نوار.
“شو كان قصدك؟”، بتسأل زينب.
نوار: بحب أعمل مسرحية لهنريك إبسن.
زينب: لمين؟
نوار: إبسن، ما بتعرفيه؟
زينب: مبلى بعرفه، بس استغربت إنه إنت بتعرفيه!
نوار: حضرتله مسرحية.
زينب: برافو. يعني مرة حضرتيلو مسرحية بالمسرح القومي.
نوار: لأ.
زينب: وين لكن؟
نوار: هون.
زينب: وين هون؟
نوار: هون، بالسجن.
زينب: إيمتى؟
نوار: من زمان. من أول ما فتت.
زينب: كانوا يجيبوا عروض مسرح لهون؟
نوار: لأ. ما حدا جاب شي.
زينب: مين عملها لكن؟
نوار: هند قهوجي، وجدان ناصيف، ناهد بدوية، رماح بوبو، سميرة محفوض…
زينب: مين هدول؟
نوار: ما بتعرفيهن؟
زينب: لأ
نوار: هدول سجينات كانوا هون.
زينب: وهنن عملوا مسرحية لهنريك إبسن؟
نوار: حورية البحر. بتعرفيها؟
زينب: لأ، بس بعرف نصوص تانية لنفس الكاتب.
نوار: وأنا كمان بعرف مسرحيات تانية لنفس الكاتب.
زينب: غريب، ما خبروني إنه هون كانوا يقدموا مسرحيات.
نوار: مين؟
زينب: الإدارة.
نوار: الإدارة ما كانت بتعرف، ولما عرفوا منعوا المسرحية قبل بيوم. فات المدير وصار يصرّخ ويشيل قطع الديكور.
زينب: وشو صار؟
نوار: صاروا يحاولوا يقنعوه إنها مسرحية عادية بس للتسلاية وما فيها شي سياسي، بس هو كان متل الجحش. كزا سجينة حاولوا يحكوا معه بس ما رد. في ناس صارت تدق عالطناجر وفي ناس صارت تبكي كل الليل.
زينب: وبعدين؟
نوار: السجينة اللي كان مفروض إنها كبّت الديكور طلعت مو كاببته. خبته وتاني يوم رجعته عالمهجع. زبطوه شوي وانعملت المسرحية بدون علمه.
زينب: هي القصة صايرة عنجد؟
نوار: إي، صارت عنجد أول ما فتت عالسجن. سنة الـ 91، وخبرتك أسماء اللي عملوها.
زينب: ما بعرفن قلتلك.
نوار: شيوعيات.
زينب: في شيوعيات كانوا مسجونين هون؟
نوار: إي كانوا هون. كانوا وديعة. وديعة من الأمن. إنتي شو المسرحية اللي بدك تشتغليها معنا؟
زينب: ما في مسرحية. قصدي ما رح انطلق من نص مكتوب. رح اشتغل على قصصكن.
كنت سعيد بكتابة هدول السطور. إي، حوار عم يصير بين شخصيتين وعم يدور بالشام. جزء من مشهد من مسرحية عم أكتبها من هون. على مسافة 11 سنة. يمكن هدول أكتر سطور منحوني السعادة لأنن ببساطة خلوني حس إنه يمكن في حلول لمشكلة الكتابة اللي عم تواجهني من 3 سنين.
نوار رح تستغرب إنه زينب بدها تشتغل على قصص السجينات وتقدمن متل ما هن. هون الكل بيعرف قصص الكل! ليش بدن يرجعوا يسمعوها؟ يبرز سؤال الجمهور!!
زينب: الجمهور مو إنتو. الجمهور رح يجي من برة السجن.
نوار: آه يعني السجينات ما رح يشوفوا المسرحية؟
زينب: مبلى، رح نعمل يوم للسجينات. عرض داخلي يعني، ويوم تاني لجمهور يجي من برة.
نوار: ممم، ما بعرف صراحة. مو هيك كنت مفكرة.
زينب: رح نرجع نكتشف جوانب جديدة بقصصكم. زوايا تانية. وجهات نظر وتفاصيل ما كنتوا منتبهين إلها من قبل. متل كأنك رح ترجعي توقفي مع قصتك بعد كل هالسنين وتجربي تقوليها من زاوية تانية.
نوار: فهمت، بس ما بعرف إزا قصتي بتشتغل معك.
زينب: ما في قصة مانها مفيدة أو مانها غنية.
نوار: أنا اتهموني بقتل واحد وانحكمت 20 سنة. قضيت منن تقريباً 18 سنة وبقيانلي سنتين. هي كل قصتي! ما بعرف كيف ممكن تكون غنية!
زينب: ليش قتلتيه؟
نوار: ما قتلته، هو مات لحاله.
زينب: ليش حاكموكي لكن؟
نوار: لأني أنا اللي طلبت منه يطلع عالبرج.
زينب: أي برج؟
نوار: اللي وقع منه.
زينب: ليش هيك طلبتي منه؟
نوار: كان واعدني يبنيلي قلعة.
زينب: قلعة!
نوار: إي
زينب: وين بده يبنيلك قلعة؟!
نوار: بالهوا.
زينب: ما عم بفهم عليكي. هو مين بكون إلك؟
نوار: ما في صلة.
زينب: كيف يعني؟
نوار: قابلته مرتين بكل حياتي. مرة لما كنت صغيرة إجى زارنا بالضيعة كان عم يدشن برج الكنيسة، ومرة لما رحت زرته بمدينته باليوم اللي مات فيه.
زينب: كيف يعني، إنتو ما بتعرفوا بعض؟!
نوار: مممم ما فيكي تقولي هيك!
زينب: شو قصة القلعة اللي بده يبنيلك ياها بالهوا؟
نوار: هو بنّاء. شغلته يبني.
زينب: بس ليش قلعة بالهوا؟
نوار: لأنها أجمل شي بالوجود.
زينب: ليش هي أجمل شي بالوجود؟
نوار: لأنه هي المكان الوحيد اللي البشر بيقدروا فيه يعيشوا بسعادة.
زينب: وشو صار لما طلع عالبرج؟
نوار: حكى مع الله.
زينب: مع الله؟
نوار: إي. قله لا تحكم علي حسب مصلحتك. أنا من هون ورايح ما رح أبني غير أحلى شي بالوجود. رح نبنيه سوا. أنا وأميرتي اللي بحبها. وهلأ بس أنزل من هون، رح روح لعندها ولفّها من خصرها وبوسها.
زينب: كان قصده عليكي؟
نوار: إي، أنا.
زينب: وكيف عرفتي إنه هيك قال؟
نوار: هيك اتفقنا قبل ما يطلع.
زينب: وبعدين؟
نوار: رفع طاقيته ولوّح فيها وهو عم يطلع باتجاهي، وبعدين.. فقد توازنه ووقع.
زينب: ليش فقد توازنه؟ كان في هوا قوي؟ أو رجله زحطت؟
نوار: لأ. عالأغلب داخ لأنه بخاف من المرتفعات.
زينب: ليش طلع لفوق لكن؟
نوار: قلتلك ليش.
زينب: وإنتي كنتي بتعرفي؟
نوار: إي.
زينب: وخليتيه يطلع؟
نوار: أنا طلبت منه. هو كان خايف بس أنا أصريت.
زينب: ليه؟!
نوار: كان ضروري أرجع شوف نفس الشخص اللي شفته قبل عشر سنين لما كنت طفلة. الشخص اللي اتسلق البرج ودشنه وحكى مع الله وكلماته وصلت لأدني كأنها غنية بالهوا.
زينب: إنت خليتي الزلمة يموت بس مشان تشوفي نفس المنظر اللي شفتيه وإنت صغيرة؟
نوار: ما هو شو الفايدة من حياته إزا ما قدر يكون نفس الشخص اللي عرفته؟
زينب: أنا ما عم بفهم عليكي!
هون تخيلت فعلاً إنه الحوار رح يوقف لفترة. وكأنه المقابلة بين المخرجة والسجينة فشلت.
نوار: شو؟ بطّل بدك تشتغلي معي؟
زينب: لا أبداً. بالعكس. حابة كتير أشتغل معك.
نوار: إزا حابة فـ رح نشتغل متل ما بدي. يعني ما رح تخليني قول قصتي قدام الجمهور.
زينب: شو لكن؟
نوار: ما بعرف، منعمل مسرحية. مسرحية عنجد. بتلاقي مسرحية ومنجي منشتغلها.
زينب: يمكن صعب أقدر غيّر الاتفاق اللي صار مع الإدارة. اتفقنا على طريقة شغل محددة وعلى أساسها أخدنا الموافقة. إزا غيرت رأيي هلأ رح يلغوا الاتفاق ورح يفقس المشروع كله! هنن أصلاً بالزور لحتى وافقو وبعد مية واسطة!
نوار: طيب، مو مشكلة. إزا بدك تشتغلي على قصص السجينات اشتغلي هيك مع البقية. قصدي مع بقية اللي رح يشاركوا، بس معي لأ.
زينب: ما فهمت. شو رح اشتغل معك لحالك؟
نوار: قلتلك. منلاقي مسرحية وأنا بمثلها.
زينب: ما فيكي تمثلي مسرحية كاملة.
نوار: إنتي بتمثلي معي.
زينب: ما فيني اشتغل معك شي، ومع بقية المشاركات شي تاني! هيك رح يصير في مشكلة بشكل العرض.
نوار: مو مشكلة. اللي رح تشتغليه معي بلا ما نعرضه. منخليه إلنا.
زينب: شو الفايدة تشتغلي شي إزا مو الناس شافته؟
نوار: منعرضه لسجينات تانيات. منعمل المشهد ومنحضره. منعزم السجينات ومنقدم المشهد بس إلن. فيكي تعمل هيك بأي يوم من أيام التدريبات.
زينب: ما رح توافق الإدارة.
نوار: وليش ضروري تخبري الإدارة؟ منعمله بالسر. منحضّر المشهد ومنخبر السجينات عالساعة. وفجأة بدون تحضيرات منقدم المشهد بوقت البروفة. ما حدا رح يحس أو يعرف بالإدارة.
في فكرة ما عم تخليني كمّل كتابة. فكرة عم تعترض طريقي بس كمان شكلها بتزبط كخاتمة لهي الشهادة أو لهاد المونولوج. رح أحكيها.
خاتمة؟
هي المسرحية كان لازم فكرت فيها وعملتها من سنين طويلة. من وقت ما كنت بالشام قبل الـ 2011.
إي بس كيف فيني بحكي عن هيك موضوع وأنا هنيك؟
مو ضروري أعملها مسرحية للجمهور.
فيني بكتفي بكتابة مسودة. فيني بطوّر المسرحية بشوية نقاشات وبحث مع رفقة قراب. يمكن بالآخر بيكفي أعمل قراءة بسيطة للنص بمكان خاص لشوية أصدقاء. أي شي من هاد. أي شي عالضيق، مو ضروري إنتاج وجمهور!
بس شو المعنى تكتب مسرحية وما تقدمها لناس؟
مزبوط يمكن ما في معنى بس مو هاد الشي المهم هلأ.
أنا ببساطة ما خطرتلي الفكرة وقتها. ما شفت هاد الاحتمال. احتمال إني أعمل مسرحية وما تتقدم. مسرحية للمنع. للنسيان. للدرج. للمستقبل.
كان فيني شوفه للاحتمال وأرفض أعمله، بس أنا ما شفته من أصله. كنت مشغول بالحاضر. كنت مهتم أشتغل وأكتب ومشاريعي تتقدم وتنّشر. كنت محبوس بالحاضر وما شغلت تفكيري بالماضي. بالمسرح اللي يفترض تجربتي هي امتداده. كنت فنان مستقل حتى عن ماضيه.
هالفنان المستقل اللي عم أحكيلكن عنه رح يعلق بسنة اسمها 2011 ورح يضل يكتب عنها كزا سنة لقدام. رح يكتب 3 مسرحيات قبلها وخلالها وحواليها، ورح يشارك بكتير مشاريع كلها عبارة عن استطالات لهديك اللحظة. رح يعمل مشاريع ومع كل مشروع رح يزداد استقلالية.
الزمن عم يمر وهو ما عم يقدر يشوف شي غير هديك اللحظة. متل اللي راكب سيارة بالعكس وعم يطلّع على نقطة ثابتة كلمانها عم تبعد. اختفت. عرف إنها اختفت لأنه انتبه فجأة إنه ما عاد قدران يكتب ولا حتى نص مشهد عم بصير بالشام. مدينته.
خسر إمكانية يكتب مسرحية عم تصير هنيك. وبنفس الوقت ما فيه يكتب مسرحية عم تصير هون. كأنه صار معلّق بنقطة عالية بين السما والأرض. بس لساته مستقل. مستقل عن كل شي. لحاله. هناك في الأعلى.
كتير مو زابط إحساسي تجاه هي المقاطع. قصدي من حيث إنها خاتمة. لا تصلح.
لقيت حالي تلقائياً عم برجع للشهادات اللي كتبوها هند ووجدان عن تجربة تقديم حورية البحر بالسجن. شهادتين قصار كتبوهن بناء على طلب الكاتب والمخرج المسرحي غسان الجباعي لحتى ينشرن ضمن كتاب بيحمل عنوان “المسرح في حضرة العتمة”.
ما رح أدرج غير مقاطع قليلة وأخيرة من نصوص الشهادات. مقاطع تصلح للخاتمة بنفس القوة اللي بتصلح للبداية من جديد. مقاطع فيني أختفي وراها وأتركلها مهمة إغلاق هالنص.
وجدان ناصيف
بدأنا بجمع “كرتونات” البيض على مدى شهر كامل، لنشكل منها صخرة، حيث تجلس إلدا، وتناجي البحر، وتبثه عشقها كل مساء. استهلكنا كل علب الألوان التي لدينا، لتلوين خلفية المشهد و”كراتين” البيض. قبل يوم “الافتتاح” دعونا مهاجع السجن كلها لمشاهدة العرض، وكانت الدعوة تتم همساً كيلا تسمعنا إدارة السجن. وضعنا الصخرة التي احتاجت لطلاء بالبني والأخضر، وشبكناها بشريط معدني ووضعناها على صناديق خشبية جلبناها من الأروانة (مطبخ السجن)، وكان كل شيء جاهزاً لليوم التالي، عندما فوجئنا -بعد إغلاق المهاجع- بزيارة غير متوقعة من مدير السجن! كان بالتأكيد نتيجة إخبارية من إحدى السجينات. توجه المدير غاضباً صارخاً، باتجاه منصة المسرح في زاوية السجن، وبدأ يأمر مرافقيه من الشرطيات، بإزالة كل شيء.. كانت الأوامر تتوجه إلى امرأة سجينة محكومة بالمؤبد، تقوم كل مساء بتنظيف الباحة بعد تسكير المهاجع. وكان المدير يشتم ويهدد ويزيل الديكور بيده. أنا ورماح اللتان أمضينا طوال اليوم بتثبيت الديكور، بدأنا بالبكاء كالأطفال! حسيبة عبد الرحمن صرخت به ليتوقف وبدأت الصبايا من المهجع 3 والمهجع 7 (مهاجع السياسيات) بالضرب على الطناجر كنوع من الاحتجاج.. حاولت لينا شلغين، وقد كانت صديقة قضائية على علاقة طيبة به، أن تثنيه عن تخريب الديكور لكنها لم تفلح. سحر البني وفاديا شاليش وصبايا من المهجع السابع، حاولن كالعادة التدخل معه بدبلوماسية، لإقناعه بأن العرض فقط للترفيه عن السجينات، وأن لا هدف سياسي منه. لكن كان الأمر بالنسبة لعوض الحموي، مدير السجن حينها، رأي آخر، وكان يعمل بتوجيهات من الأمن السياسي الذي كان مسؤولاً عنا، كسجينات سياسيات، وقد كنا عهدة لديه من فرع الأمن العسكري.
أنا ورماح في المهجع الثالث لم ننم ليلتها. بقينا نبكي كالأطفال وكانت رفيقاتنا يعدوننا بأنهن سيعملن على ديكور جديد في الصباح وعلى تحدي إدارة السجن. بعد المعركة التي قام بها مدير السجن وخروجه من الباحة، جاءت إلى باب المهجع السجينة التي تقوم بالتنظيف، وأخبرت الصبايا أنها حرصت على عدم تخريب الديكور على الرغم من أوامره، وأنها خبأته في مكان آمن وسيكون جاهزاً في اليوم التالي بقليل من العمل.
هند قهوجي
جهزنا باحة ذلك السجن، ومنذ الصباح شطفنا ونظفنا وفرشنا البطانيات على الأرض وغطينا شبك الزيارات بالشراشف، وعملنا منصة وخلف المنصة خيمة صغيرة كي تجلس وراءها رماح خلال العرض، كي تلقننا الدور إذا نسينا شيئاً من النص.. “يعني مسرح عن جد! كيف لكان”.
وجدان ناصيف
مساء اليوم التالي كان الديكور جاهزاً وكان الحضور مدهشاً. نساء لم يتعرفن على المسرح إلا في السجن. جلسن على الأرض وانتظرن بداية العرض. حتى رجال ونساء الشرطة كانوا ينتظرون بداية العرض من خلف الشبك، دون محاولة لمنعنا.
في بداية العرض، تظهر إلدا وهي تغازل البحر. ربما رماح وضعت كل أشواقها وحنينها للبحر في هذا المقطع. لم أعد أذكر النص تماماً، لكنه كان كافياً لإثارة الشجن والحنين للحرية لدى الجميع. لا زلت أسمع صوت سمر شما الرقيق في مناجاتها للبحر. فاضت الدموع واتسعت حدقات النساء، عندما ظهر البحار الغريب (أنا).
حوار إلدا والبحار الفائض بالرومانسية والحلام الهاربة من الواقع، حبس أنفاس النساء، وبخاصة عندما أخذ البحار خاتمها وخاتمه ووضعهما في سلسلة ورماهما في البحر وقال: “نحن الآن تزوجنا والبحر شاهد”.
بعدها تمر السنوات وتكتشف إلدا ان لقاءها بالبحار ربما كان من صنع مخيلتها. تتزوج طبيب محترم لديه ابنتان (سميرة خليل وعفاف قندلفت على ما أذكر) لكنها عاشت حياة هادئة ومستقرة بعيداً عن البحر وبقيت تتألم وحيدة تنتظر شيئاً لا تعرفه ولا تفهم إن كان من صنع خيالها، حتى يأتي يوم ويعود الغريب ليقول لها إنه زوجها وإنه قادم لاصطحابها. هنا يدور حوار جميل بينها وبين زوجها والغريب. وتوضع بين خيارين: البقاء مع زوجها الذي تزوجته قانونياً والمجتمع شاهد على الزواج، وخيار ذهابها مع الغريب الذي كل ما تعرفه عنه هو عشقهما المشترك للبحر، وأن البحر كان شاهداً على هذا الزواج. عندما يعطيها زوجها الطبيب حريتها ويقول لها “أنت حرة.. اختاري الآن بيننا”.. تختار زوجها وتنتهي المسرحية برسالة أردنا إيصالها، وهي أنه فقط عندما نمتلك حق الخيار، يكون خيارنا صحيحاً. أعتقد أننا خرجنا كثيراً عن النص الأصلي، لكن النهاية كانت صادمة جداً لجمهور السجينات. عبّرن عن غضبهن وقلن بأنه كان علينا أن نغير النهاية. مفهوم طبعاً، أنه عند النظر إلى واقع السجن، فإن أي سجينة سوف تختار الهروب من الواقع، حتى لو كان الذهاب مع رجل “غريب”. أي أن اختيار الواقع في النهاية لن يرضي أي واحدة منهن ولا منا، حيث أن الواقع هو السجن (هذا تفسيري الشخصي لردة فعلهن).
هند قهوجي
كان الجمهور كبيراً جداً. حضر العرض من كانوا في السجن جميعاً، دون استثناء، وكانت الواقفات أكتر من القاعدات.. وكم كانت فرحتنا كبيرة بالتصفيق الحار الذي قوبلنا به! شيء عجيب لا يصدق..! حتى عناصر الشرطة صفقوا لنا، وهم يحضرون المسرحية سراً، من خلال ثقوب البطانيات التي غطينا بها شبك الحديد… علماً أننا ارتكبنا أخطاء قاتلة، فما أن بدأ العرض حتى توقف، لأن حضراتنا نسينا جزءاً من النص، والست الخانم رماح (الملقّنة) شردت حضرتها ونسيتنا! لكننا تمكنا من السيطرة على الموقف، وبالكاد أكملنا المسرحية ارتجالاً، على الرغم من كل شيء! ومن دون أن يشعر الجمهور الذي راح يصفق ويصفر وهو لا يدري ما الذي حل بنا.
يومها بكينا.. بكينا من التصفيق وبكينا من النجاح.. يا إلهي كم بكينا لأننا فعلنا شيئاً، وشعرنا بنشوة الانتصار. لم ننتصر على السجن فقط، بل انتصرنا على أنفسنا وعلى السجان.. شعرنا لوهلة أننا خارج السجن! أننا على خشبة مسرح حقيقي.. يومها أيضاً بقينا سهرانين الليل كله.. نحكي ونعيد الحكي كأننا لسنا نحن.